الحمد لله ناصر كل صابر، ومذل الكافرين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين محمد، صلى الله عليه وسلم. أما بعد:
فلا يخفى على أحد ما نزل بأهلنا في غزة على يد آلة البطش الصهيونية، بعد حصار دام عدة شهور، قاسى فيها أهل غزة ألوانا من الآلام، فنقول وبالله التوفيق:
صبرا أهل غزة، فإن النصر مع الصبر، وإن الله يدافع عن عباده المؤمنين، وإنما يُبتلى المرء على قدْر دينه، ليرفع الله عز وجل درجته ويطهره ويرفع قدره في الدنيا والآخرة، وما ضركم لو لقيتم الله عز وجل فصرتم إلى الفردوس الأعلى وصار عدوكم إلى الجحيم؟ فصبرا صبرا فإنكم على الحق، وأنتم اليوم عنوان العزة والمجد والكرامة في الأمة، وإن تنازلتم فسيتنازل بتنازلكم خلق كثير، فالصبر الصبر، والثبات الثبات، ثبتكم الله ونصركم وأعز بكم دينه وأعلى قدركم في الدنيا والآخرة.
واعلموا أنكم لستم وحدكم، وأن عدوكم يقاسي مما تقاسون منه، ويشرب من الكأس نفسها، وأنهم يأْلمون كما تأْلمون، غير أنكم ترجون من الله ما لا يرجون، والله مولاكم ولا مولى لهم، وقتلاكم في الجنة وقتلاهم في النار، فالثبات الثبات.
وتذكروا كيف قاسى أنبياء الله عز وجل من أفعال يهود، وكيف قتلت يهود الأنبياء، وحاربوهم، وهذا لا يخفى على أمثالكم من المجاهدين.
وتذكروا كيف قاسى النبي وصحابته من الحصار الظالم في مكة، في صدر الإسلام، ثم نصره الله وفرج عن عباده المؤمنين، وعلى دربه سار أصحابه وأتباعهم في الصبر والثبات، فكتب الله لهم العز والنصر، فانصروا الله واثبتوا، فإنه ناصركم لا محالة، وهو معزكم لا محالة.
ولا تلتفتوا إلى المخذلين والمنافقين والمتآمرين، فإنما النصر صبر ساعة، وعند الله تجتمع الخصوم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، فالصبر الصبر، والثبات الثبات.
وإننا ندين الله تعالى بأن حقكم علينا كبير، ومناصرة المسلمين لكم بالدعاء والقوة والمال واجبة، وإذا كانت الحكومات والدول تتوانى عن مناصرتكم، ويضعف المسلمون عن إعانتكم، فـ: اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (الأعراف:128).
فإن قلتم : متى نصر الله؟ فسنقول ما قاله الله بصدق ويقين: إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ (البقرة:214)، وقد جعل الله هذا حقًّا عليه فقال: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ (الرُّوم:47) فارتقبوا النصر من الله.
وعليكم بأربع خصال أرشد الله عباده إليها، لتنالوا النصر والفلاح في الدنيا والآخرة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (آل عمران:200).
فذكر أربعة أشياء: أولها: الصبر، وثانيها: المصابرة، وثالثها: المرابطة، ورابعها: التقوى. فاصبروا، وصابروا، وأمروا أهلكم بالصبر، ورابطوا فأنتم على ثغرٍ عظيم من ثغور الإسلام، فلا يُؤتينّ الإسلام من جهتكم، فالله الله في إسلامكم.
وعليكم بتقوى الله، وصية الله للأولين والآخرين، كما قال تعالى: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ (النساء:131)، فتمسكوا بدين الله تعالى، واقتفوا سنة النبي ، ولا تتركوا من دين الله تعالى شيئاً ما استطعتم، وعلى رأس ذلك كله تجريد القصد لله تعالى، وإعلاء دين الله، وإقامة الصلاة، وأداء الفرائض واجتناب المحرمات، فإن النصر هبة من الله تعالى لا ينال إلا بطاعته، ويأبى الله تعالى أن ينصر من لم يستقم على أمره، ويقتفي شرعه، فالله الله في التمسك بدين الله تعالى والثبات على ذلك، فإنّ من ينصر الله ينصره الله ويثبت أقدامه، ومن حفظ الحدود حفظه الله تعالى.
ولا ترهبنكم أراجيف المرجفين، ولا أقاويل المخذولين حول قوة عدوكم، فإن الله أقوى وأجل، ومنه النصر لا من غيره، فـقَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (التوبة:14).
وإذا جمعوا لكم العُدّة والعتاد، فانتصروا عليهم بـ: حسبنا الله ونعم الوكيل، كما قال تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ.فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (آل عمران:173- 174).
واعلموا أن الله هو الذي يقتل ويرمي عن المؤمنين، فأدُّوا ما عليكم، ودعوا ما لله لله، فسيتكفَّل بأعدائكم، كما قال سبحانه: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ المُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (الأنفال:17).
واعلموا أن النصر من عند الله كما قال سبحانه: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ (آل عمران:126)، فانصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم.
واحذروا الذنوب والمعاصي، فإنها نذير شؤم، تباعد بينكم وبين خالقكم وناصركم ومعزكم، وتغضبه عليكم، وعليكم بالطاعة فإنها بريد رحمة وخير، تحببكم إلى خالقكم، وتستجلب لكم نصره، وترضيه عنكم في الدنيا والآخرة.
وختامًا نتوجه إلى سائر المسلمين نناشدهم أن ينصروا أهلهم في غزة، فإن المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص، ومثَل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثَل الجسد الواحد إذا اشتكى له عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، فنناشد كل قادر على مساعدة أهلنا في غزة أن يتقدم ويساعد بما يقدر عليه ويستطيعه، وأن لا يبخل على نفسه وأهله، فإنه لا يجوز التولي يوم الزحف، ولا النكوص عن نصرة المسلمين، فالله الله في أهل غزة، انصروهم وآزروهم وساعدوهم ومدوا لهم يد العون والمساعدة، بكل ما تقدرون عليه، وإن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم.
وحسبنا الله ونعم الوكيل.